حقيقة معاوية بن ابي سفيان

 

صورة

لا يكل و لا يمل الوهابيون و الإخوانجيون من الدفاع عن الملك الأموى معاوية ، و ابنه حتى أنهم يقولون سيدنا معاوية و سيدنا يزيد ، صدقوا حقا فهو سيدهم و هم عبيده ، و هو مثلهم الأعلى هو و وريثه ، و الأفعى لا تلد حمامة ، يبررون جرائمه و جرائم ابنه ، و يصفونه بالصحابى و ما ينبغى له و لا لهم نسبته للصحابة بل الصحابة منه براء ، و إذا واجهناهم بالتاريخ الذى لا يكذب ، بالتاريخ الأسود لمؤسس الملك العضوض و وريثه لقالوا إنما هى كتب تاريخ مزورة ، فسنعرض فيما يلى حقيقة معاوية بن أبى سفيان حتى لا ينخدع الشباب الصغير بعمليات غسيل المخ الوهابية و الإخونجية المنتشرة اليوم على الانترنت .

 

و إن قيل لهم قال الله فى كتابه العزيز ” لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى ” و أن حقوق البشر متساوية و لا يعلو العربى المسلم على الأعجمى المسلم ، قالوا إنما أنتم شعوبيون ، و يعظون الوطنيين و القوميين متهمينهم زورا بأنهم يدعون إلى العصبية القبلية ، بينما هم يوهبنون  كل شئ حتى النبى صلى الله عليه و سلم ، و ينهون عن التفاخر بالوطن و القومية ، و يحرمون الوطنية و يقولون دعوها فإنها منتنة .

 

من هو معاوية؟

أبوه، أبو سفيان الذي لم يستقر الإسلام في قلبه قط. و أُمه هند التي أغرت وحشي بالأموال ليقتل رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم)أو علي(كرم الله وجهه) أو حمزة سيد الشهداء في معركة أحد، فاعتذر عن قتل رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) و علي(كرم الله وجهه) و استجاب لأمرها في حمزة عم النبي(صلى الله عليه وسلم). و بالفعل نفذ ما أرادت و بعد المعركة وقفت على جسد حمزة و شقت بطنه ولاكت كبده  بأسنانها.

 [تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 218 ،ط. دار صادر. ربيع الأبرار للزمخشري، ج 3، باب القرابات و الأنساب. شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 111]

 

أبو سفيان هو من المحاربين لرسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) في بدر و أحد و الأحزاب و من الطلقاء، بلا خلاف، و كان من الذين حاربوا رسول اللّه في معركة الخندق ، و من المؤلفة قلوبهم.

[أسد الغابة، ج 4، ص 385]

 و هو من الملعونين في القران الكريم في قوله تعالى (والشجرة الملعونة في القرآن)

 

 [انظر الدر المنثور، ج 4، ص 191. تفسير القرطبي، ج 10، ص 286. تفسير الالوسي، ج 15، ص 107. و انظر لعن معاوية في تاريخ الإسلام للذهبي ج 4، ص 39. و في ذم معاوية انظر صحيح مسلم، ج 6، ص 18 ، ط، دار الفكر، بيروت.].

 

و مع هذا كله فان معاوية لم يكن من الخلفاء الراشدين ، بل من ملوك بني أمية، الذين احتلوا هذا المنصب بالسيف و الإرهاب و الخديعة و الكذب. و لذا تمرد على إمام زمانه ، علي(كرم الله وجهه)، حينما أراد إزالته عن ولاية الشام.

 

[أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي حيث ينقل حديث احمد بن حنبل: إن معاوية لم يكن أحق بالخلافة من على بن أبي طالب(كرم الله وجهه). تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 216، ط دار صادر]

 

 و قام بارتكاب جرائمه بقتله للصحابة الأجلاء أمثال حجر بن عدي الكندي و سبعة من أصحابه، و قتله محمد بن أبي بكر و إحراقه و التمثيل به ، وسمّ مالك الأشتر و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

 

[الكامل في التاريخ، ج 3، ص 326 ، ط بيروت. مروج الذهب، ج 2، ص 409 ط. دارا لهجرة] كذلك أمر أهل الشام أن يسبوا علياً(كرم الله وجهه) في قنوت الصلاة و خطب الجمعة.[تاريخ ابن الوردي ، ج 1، ص 160. البداية و النهاية ص 252]

 

 مع تنزيه النبي لعلي حيث قال «من سب علياً فقد سبني».[سنن ابن ماجة، ج 1، ص 74 ، دار الفكر، بيروت]

و لم يكتفي بذلك بل أقدم على حرب الإمام علي(كرم الله وجهه) ، الخليفة الشرعي باتفاق المسلمين و خرج عليه في حرب صفين.

 


كما انه أمير الفئة الباغية الخارجة من الحق إلى الباطل بدلائل أظهرها و أثبتها قوله(صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر « تقتلك الفئة الباغية»، و هذا أحد استدلالات أهل السنة و الجماعة على تكفير معاوية، و لما قتل عمار في صفين و علم معاوية بذلك ، أراد أن يبرر موقفه فقال: إنما قتله من أخرجه معه! و يقصد علي(كرم الله وجهه) و هذا قياس باطل و يكون حكمه كحكم قتل حمزة(عليه السلام) فقد خرج مع رسول اللّه ؛ أفيكون الرسول قاتله؟! لأنّه أخرجه .فهذا إلزام لا جواب عنه و حجة لا أعترض عليها

[على بن أبي طالب(كرم الله وجهه)، خير اللّه طلفاح، ص 159 ، ط بغداد]

 بل حتى المحبين لمعاوية من المعاصرين أنكروا تأويل معاوية حيث قالوا: هذا تعسف في التأويل أبتكره معاوية للتخلص من حديث رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم) و هو ظاهر بأن عماراً تقتله الفئة الباغية.


و كان مجلسه لا يخلو من الطرب و الغناء

[أنظر التاج في أخلاق الملوك للجاحظ، ص 38]

و كان ينفق على المغنين مبالغ ضخمة و قد صرح الجاحظ بأن معاوية من أهل الطرب و الغناء و كانت أمه ،هند ، و عمته أم جميل ، من ذوات الرايات و زوجة أبي لهب التي انزل الله فيها و في زوجها سورة قرآنية . تذمهم


و ختم حياته بخروجه عن الإسلام . و ذلك كما أفاد ابن حزم حيث عدّ أربعة أمور كل واحد منها يخرج الإنسان عن الإسلام منها قتل الحسن(رضى الله عنه) حيث دس إليه السم عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث التي أطمعها بتزوجها لابنه يزيد.

[سنن ابن ماجة، ج 1، ص 68]

و تنصيبه ولده يزيد ملكاً من بعده بقوة السيف و أمر عماله أن يأخذوا له البيعة من الناس و في يزيد قال الذهبي: كان ناصبياً فظاً غليظاً يتناول المسكر و يفعل المنكرات. افتتح دولته بقتل الحسين بن على(رضى الله عنه) و ختمها بوقعة الحرة.

[شذرات الذهب، ج 1، ص 69]

 

لذا يقول الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاءه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة ، و استخلافه بعده ابنه سكيراً خماراً يلبس الحرير و يضرب الطنابير، و ادعاءه زياداً أخا له و قد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) الولد للفراش و للعاهر الحجر ، و قتله حجر بن عدى

[الكامل في التاريخ، ج 3، ص 242].

و أخيراً أقول و بكل اختصار أن حرب معاوية ضد الإمام علي الخليفة الشرعي آنذاك و دس السم للإمام الحسن(رضى الله عنه) هو حرب لرسول اللّه(صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه أجمعين ). و هذا ما دلت عليه الأخبار منها قوله(صلى الله عليه وسلم) لأهل بيته «أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم»

[البخاري، ج 5، ص 52 ، ط دار الفكر، بيروت. المناقب، ص 91. الترمذي، ج 5، ص 360 ط.دار الفكر، بيروت].

 


و بعد هذا كله و بعد أن وقفنا على سيرة حياة معاوية و التي استخلصناها من بطون الكتب: أقول كيف يكون معاوية كاتباً للوحي وقد بقي على شركه حتى دخول الرسول(صلى الله عليه وسلم و على آله و صحبه أجمعين) مكة فاتحاً، حينذاك عفا عن أبي سفيان أبيه من جملة من عفا و قال: اذهبوا أنتم الطلقاء . و ما دخل أبو سفيان و لا ولده الإسلام إلا مكاء و تصدية و خوفاً على رقابهم، و هو القائل حينما جاءت الخلافة إلى عثمان: تلاقفوها يا بني أمية فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة و لا نار.

[تاريخ ابن عساكر، ج 6، ص 407. تاريخ الطبري، ج 11، ص 357]

إذاً كيف يكون معاوية ثقة رسول الله و كاتب وحيه.


من هو يزيد؟


هو يزيد بن معاوية و أمه ميسون و إن أهم ما يميز هذا السيئة أنه لم يكن مثل أبيه في ترويه و حزمه و احتياطه، و لم يلتزم طريقته في تعاطيه للمداورة و المراوغة. فقد كان مستهزئاً إلى أبعد حدود الاستهتار ولم يبالي بما يسمونه دينا و إسلاما و لا بذلك الستار الذي كان يستتر به أبوه ، و كان يتظاهر بالعداء المطلق للهاشميين و العلويين و للأنصار من صحابة رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم)، و لم يستطع أن ينسى ثارات عائلته و فقده لأخواله و عمومته و سُراة قومه في حروبهم ضد الإسلام التي انتهت بإذلال قريش و بني أمية و استسلامهم لرسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) . فحمل تلك الأحقاد.


و كان أخذ الثأر و لو طال الأمد من أبرز صفاته لذا أول شئ بادر إليه عندما استلم الحكم هو ارتكاب تلك المجزرة الرهيبة التي أمر جلاديه بإتيانها في كربلاء و انتهت بمصرع سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي(رضى الله عنه) و أهل بيته و أصحابه.

[تاريخ الانتفاضات الشيعية، ص 398]


و لما سمع يزيد بذلك فرح به و اخذ يتثمل بقول ابن الزبعري الذي انشد أبيات بعد موقعه أحد قائلا :

[مروج الذهب، ج 2، ص 341 ،دار الهجرة. شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 13. مقتل الخوارزمي ص 67]

ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم * و عدلنا ميل بدر فاعتدل
لستُ من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر * جاء و لا وحي نزل

و في سنة (61 هـ) سارع لارتكاب مجزرة أخرى في المدينة بقياده سفّاحه مسلم بن عقبة فقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين فيهم ثمانون

 [تاريخ الأدب الجاهلي لطه حسين، ص 136]

 من الذين شهدوا بدراً مع رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) و افتضى حوالي ألف بكر و حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج شرعي . ثم بايع من بقي من الناس على انهم عبيد ليزيد و من أمتنع قتل.


و مهما كان الحال في المدينة فقد خرج منها مسلم بن عقبة باتجاه مكة المكرمة لحرب بن الزبير الذي أعتصم بها و التف الناس حوله و اشتبك الجيشان، فقذف أهل الشام مكة بالنيران فأحرقوها. و كان ذلك سنة (63 هـ).

[المسعودى، مروج الذهب، ح 2، ص 342]


فهذه ثلاث سنوات من تولي يزيد الحكم، قتل فيها الحسين(رضى الله عنه) و أهل بيته ، و احتل مدينة رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) في السنة الثانية، و احرق بيت اللّه في السنة الثالثة إلى أن هلك سنة (64 هـ).


وآل الأمر بعده إلى ولده معاوية بن يزيد، فصعد المنبر و قال: أيها الناس! لقد نازع جدي معاوية من هو أولى منه بالخلافة و أحق بها ، و ركب بكم ما تعلمون، حتى انتهى الأمر و صار رهينة في قبره بذنوبه، و أسيراً لأخطائه و جرائمه، و قبل أن يرحل عن هذه الدنيا قلد الأمر لوالدي فصار أسيراً بجرمه و ذنوبه. و أن اعظم الأمر علينا سوء مصرعه و قبح منقلبه و قد قتل عترة الرسول(صلى الله عليه وسلم) ، و أباح المدينة و هدم الكعبة. و مضى يقول و لقد وُلّيت عليكم و تقلدت أمرا ليس لي ، فأن أجبتم تركتها لرجل قوي أو جعلتها شورى بينكم. ثم ترك المنبر و دخل منزله و مات بعد أربعين يوماً من وفاة والده.

[الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص 428، 429]

 

خاتمة البحث

بعد هذا المشوار الطويل و على مدى حقبة زمنية طويلة لحكم معاوية و ولده، و ما سرده أصحاب السير من أبناء السنة و العامة، نريد أن نركن و إياكم إلى العقل السليم و إلى الدليل المنير الذي نستهدي به الطريق الصحيح الذي يؤدي بنا إلى رضا الله و رضا رسوله و أهل بيته، و لا نتمسك بمن سبقونا الذين أظلهم أصحاب الأقلام المزيفة المرتزقة الذين جعلوا من معاوية كاتباً للوحي مع قبح سيرته، و كيف يقبل العقل بأن رسول الله الذي لا يفارقه الوحي و الذي لا ينطق عن الهوى و الذي يعلم بعلم الله كل شئ ، كيف يأتمن معاوية على كتابة وحيه؟ و هل قلّ الصحابة؟.

 

 

 

جرائم معاوية بن أبي سفيان عبر التاريخ

عرج على رأي الجمهور في معاوية تجد هناك معذرة المتأولين قالبا حسيا ، وتلفها أمامك شخصا مرئيا فإنه لما كان متأولا على زعمهم ، لم يقدح في عدالته عندهم إلحاقه زيادا بأبيه ( أبي سفيان ) بدعوى أنه عاهر سمية وهي على فراش عبيد ، مستندا في ذلك إلى شهادة أبي مريم القواد الخمار مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ” الولد للفراش وللعاهر الحجر ” ( 1) .

وقوله من حديث ( 2) ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو راد ، وقوله تعالى : ” أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ” وكان فعله هذا أول عمل جاهلي عمل به في الإسلام علانية فلم يقدح مع ذلك عند الجمهور في عدالته ولم يمنع محمد بن إسماعيل البخاري عن الاحتجاج به في صحيحه ( 3)

– وأيضا لم يخدش في وثاقته عندهم عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد ، وهو صبي يشرب الشراب ويلعب بالكــــلاب ولا يعرف من الدين موطئ قدمه مع معرفته بليله ونهاره وإعلانه وأسراره وعلمه بمنزلة الحسين عليه السلام من الله عز وجل ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه و سلم ومحله في نفوس المؤمنين ، على أنه كان يومئذ في المهاجرين والأنصار وبقية البدريين وأهل بيعة الرضوان جم غفير وعدد كثير كلهم قارئ للقرآن عالم بمواقع الأحكام خبير بالسياسة حقيق على رأي الجمهور بالخلافة والرياسة ، فلم يراع سابقتهم في الإسلام ولا عناءهم في تأييد الدين وأمر عليهم شريره المتهتك وسكيره المفضوح ، فكان منه في طف كربلاء مع سيد شباب أهل الجنة وخامس أصحاب الكساء ما أثكل النبيين وأبكى الصخر الأصم دما ورمى المدينة الطيبة بمجرم بن عقبة ، وكان أبوه معاوية عهده ( 4) بذلك إليه كما نص عليه جماعة ( 5) فكانت أمور تكاد السماوات يتفطرن منها .

وحسبك أنهم أباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام حتى افتض فيها ألف عذراء من بنات المهاجرين والأنصار ، كما نص عليه السيوطي في تاريخ الخلفاء وعلمه جميع الناس ( 6) وقتل يومئذ من المهاجرين والأنصار وأبنائهم وسائر المسلمين اللائذين بضريح سيد النبيين صلى الله عليه وسلم 10870 رجلا ولم يبق بعدها بدري ( 7) وقتل من النساء والصبيان عدد كثير ، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أمه ويضرب به الحائط فينتشر دماؤه على الأرض وأمه تنظر إليه ( 8) ثم أمروا بالبيعة ليزيد ، على أنهم خول وعبيد إن شاء استرق وإن شاء أعتق ، فبايعوه على ذلك وأموالهم مسلوبة ورحالهم منهوبة ودماؤهم مسفوكة ونساؤهم مهتوكة ، وبعث مجرم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد ، فلما ألقيت بين يديه قال : ليت أشياخي ببدر شهدوا : الأبيات ( 9)

ثم توجه مجرم لقتال ابن الزبير فهلك في الطريق ، وتأمر بعده الحصين بن نمير بعهده من يزيد ، فأقبل حتى نزل على مكة المعظمة ونصب عليها العرادات والمجانيق ( 10) وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كل يوم يرمونها بها ، فحاصروهم بقية المحرم وصفر وشهري ربيع يغدون على القتال ويروحون ، حتى جاءهم يزيد وكانت المجانيق أصابت جانب البيت فهدمته مع الحريق الذي أصابه . وفظائع يزيد من أول عمره إلى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر ، أو تحصيها الأقلام والمحابر ، قد شوهت وجه التاريخ وقبحت صحائف السير وكان أبوه يرى كــلابه وقروده وصقوره وفهوده ويطلع على خموره وفجوره ، ويشاهد الفظائع من كل أموره ويعاين لعبه من الغواني ويعرف خبثه بكل المعاني ، ويعلم أنه ممن لا يؤتمن على نقير ولا يولي أمر قطمير ، فكيف رفعه والحال هذه إلى أوج الخلافة وأحله عرش الملك والإمامة وملكه رقاب المسلمين وسلطه على أحكام الدنيا والدين ، فغش بذلك أمته ولم ينصح رعيته وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما أخرجه البخاري في الورقة الأولى من كتاب الأحكام من صحيحه ( 11) : ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة .

وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فيما أخرجه أحمد من حديث أبي بكر في صفحة 6 من الجزء الأول من مسنده : من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم .

وقال صلى الله عليه وآله و صحبه و سلم فيما أخرجه البخاري في تلك الورقة أيضا : ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحظها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة .

والجمهور يعذرونه في ذلك بناء على اجتهاده كما عذر بعضهم في وقعتي الطف والحرة أكفر أولاده ( 12) .

وعذروه أيضا في قتله عباد الله الصالحين كعمرو بن الحمق الخزاعي ، وكان بحيث أبلته العبادة ورأسه أول رأس حمل في الإسلام ، قتله ( وهو من خيار الصحابة ) بحبه عليا كرم الله وجهه، وكحجر بن عدي الكندي وكان من فضلاء الصحابة أيضا قتله وأصحابه البررة الأتقياء إذ لم يلعنوا عليا كرم الله وجهه ، ومعاوية هو الذي قتل الحسن رضى الله عنه بسم دسه إليه فسقته إياه بنت الأشعث عليها اللعنة ، علم بذلك كافة أهل البيت وشيعتهم واعترف به جماعة من غيرهم .

 

قال أبو الحسن المدائني ( كما في أوائل الجزء 16 من شرح النهج لابن أبي الحديد في الصفحة 4 من المجد 4 طبع مصر ) : كانت وفاة الحسن سنة 49 وكان مريضا 40 يوما وكان سنة 47 سنة ، دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث ، وقال لها : إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف أزوجك يزيد فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال : أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله ( ص ) ا ه‍ .

ونقل المدائني عن الحصين بن المنذر الرقاشي ( كما في صفحة 7 من المجلد الرابع من شرح النهج طبع مصر أيضا ) : إنه كان يقول : والله ما وفي معاوية للحسن بشئ مما أعطاه قتل حجرا وأصحابه وبايع لابنه يزيد ، وسم الحسن ا ه‍ .

وقال أبو الفرج الأصفهاني المرواني في كتابه مقاتل الطالبيين حيث ذكر السبب في وفاة الحسن عليه السلام ما هذا لفظه : وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد ، فلم يكن شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه الخ .

وفي صفحة 17 من المجلد 4 من شرح ابن أبي الحديد طبع مصر ما يلفت الأنظار في هذا المقام فراجعه لتعلم ما قلناه .

وروى ابن عبد البر في ترجمة الحسن من استيعابه عن قتادة وأبي بكر بن حفص إن بنت الأشعث سقت الحسن بن علي السم ، ثم قال : وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك ا ه‍ .

والأخبار في ذلك لا تحتملها هذه العجالة .

ولو أردنا أن نستوفي من قتلهم معاوية من المصلحين وأولياء الله ( 13) صبرا وأبادهم غدرا واستأصلهم عتوا وطحنهم حربا وسمل أعينهم ظلما وقطع أيديهم وأرجلهم بغيا واستل ألسنة لهم تنطق بالحق عنادا وأسقط شهاداتهم زورا وتقول عليهم افتراء وطلق حلائلهم مكرا وأخذ أموالهم سلبا وصاح في حجراتهم نهبا وهدم دورهم عشيا وأقصاهم نفيا وأوسعهم ذلا وضيق عليهم حبسا ودفنهم أحياء ولعنهم على المنابر أمواتا – لأفنينا المحابر واستغرقنا الصحف والدفاتر ثم لم نبلغ غايتنا المقصودة ولم نظفر بضالتنا المنشودة وكذلك لو أردنا أن نتصدى للأحكام التي بدلها والحدود التي عطلها والبوائق التي ارتكبها والفواقر التي احتقبها والدواهي التي حدثت في زمانه والغاشمين الذين أشركهم في سلطانه كابن شعبة وابن العاص وابن سعيد وابن أرطاة وابن جندب ومروان وابن السمط وزياد وابن مرجانة والوليد الذين فعلوا الأفاعيل وقهروا الأمة بالأباطيل وساموا عباد الله سوء العذاب يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وحسبك ما أجمع أهل الأخبار على نقله واتفق أهل العلم على صدوره من بعثه بسرا سنة أربعين لاستئصال من في اليمن من عباد الله الصالحين ، فراجع ما شئت من كتب الأخبار ولاحظ ما يحضرك مما يشتمل على أحداث تلك السنة من كتب الآثار ، لتعلم فظاعة هذه الواقعة وتعرف كنه ما كان يوم هذه الفاجعة من قتل الشيوخ الركع وذبح الأطفال الرضع ونهب الأموال وسبي العيال ، وما ينس فلا ينس ما فعله يومئذ بنساء همدان ، إذ سباهن فأقمن ( كما في ترجمة بسر من الاستيعاب ) في السوق ، وكشف عن سوقهن فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها .

قال في الاستيعاب : فكن أول مسلمات سبين في الإسلام ، وما أدري هذه أفظع وأوجع أم ما فعله بطفلي عبيد الله بن العباس ، وكان عبيد الله يومئذ عاملا لأمير المؤمنين على اليمن فهرب إليه من بسر ، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي وكان جد الطفلين لأمهما ، فقتله بسر فيمن قتلهم يومئذ من الألوف المؤلفة من خيار الناس وقتل ابنه ، وبحث عن الطفلين فوجدهما عند رجل من كنانة في البادية ، فلما أراد بسر قتلهما قال له الكناني ( كما في تاريخ ابن الأثير ) لم تقتلهما وهما طفلان لا ذنب لهما ، فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما ، فقتله ثم ذبحهما بين أيدي أمهما ( 14) فهامت على وجهها جنونا مما نالها تأتي الموسم تنشدهما فتقول :

يا من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف
يا من أحس بابني اللذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
يا من أحس بابني اللذين هما * قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف
من دل والهة حيرى مدلهة ( 15) * على صبيين ذلا إذ غدا السلف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من إفكهم ومن الإثم الذي اقترفوا
أحنى ( 16) على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف

وقالت له امرأة من كنانة لما ذبحهما ( كما في تاريخ ابن الأثير ) : يا هذا قتلت الرجال فعلى م تقتل هذين ؟ ! والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام والله يا بن أبي أرطاة سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان السوء .

قال ابن الأثير : فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعا شديدا ودعا على بسر فقال اللهم اسلبه دينه وعقله . قال فأصابه ذلك فكان يهذي بالسيف فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه ولم يزل كذلك حتى مات ا ه‍ .

– إلى غير ذلك من بوائق معاوية وأعوانه وجرائم وزرائه ومقوية سلطانه ، وكان أحدهم يقتل الألوف من أفاضل الرجال ويعمل الأعمال التي يهتز منها عرش العظمة والجلال ثم لا يستعظم ما احتقب ولا يتألم مما ارتكب .

أخرج الإمام الطبري في أحداث سنة خمسين من تاريخه ( 17) بالإسناد إلى محمد بن سليم قال : سألت أنس بن سيرين هل كان سمرة قتل أحدا ؟ قال : وهل يحصى من قتلهم سمرة بن جندب ، استخلفه زياد على البصرة ستة أشهر حين كان واليا عليها وعلى الكوفة من قبل معاوية وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس . فقال له زياد : هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا ؟ قال لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت ا ه‍ .

وأخرج هناك أيضا بالإسناد إلى أبي سوار العدوي قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن ا ه‍ .

وأخرج هناك أيضا بإسناده عن عوف قال : أقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض أزقتهم ففاجأ أول الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة عبثا وعتوا . قال : ثم مضت الخيل فأتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحط بدمه فقال : ما هذا ؟ قيل : أصابته أوائل خيل الأمير ، قال عتوا واستكبارا : إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا ا ه‍ .

وهذه القضايا متفق على صدورها من سمرة نقلها كل من أرخ حوادث سنة خمسين ، كابن جرير وابن الأثير وأمثالهما . وإذا كانت هذه أعمال سمرة في ستة أشهر وهو ثقة البخاري ودليله على دين الباري قد احتج به في الورقة الثالثة من كتاب بدء الخلق من صحيحه ( 18) . وجزم بعدالته ( 19) في ظاهر القول وصريحه ، فما ظنك بأعمال زياد بن سمية الخبيت الفاسق بإجماع البرية ، وقد ولاه معاوية ( كما نص عليه الطبري ( 20) في أحداث سنة خمسين من تاريخه ) أعمال الكوفة والبصرة والمشرق كله ، وسجستان وفارس والسند والهند ، فكم حرة في تلك الولاية هتكت . وكم حرمة لله انتهكت ، وكم دماء زكية سفكت ، وكم شرعة اندرجت وكم بدعة أسست ، وكم أعين سملت وأيد وأرجل قطعت و . و . و . ؟ ! إلى ما لا يحصى من الأعمال البربرية والفظائع الأموية التي تقشعر لها جلود البرية ويتصدع بها قلب الإنسانية .

 

لكن الجمهور لما بنوا على اجتهاد معاوية عذروه في أعمال عماله ، ولم يخدش في عدالته عندهم بوائقه ولا بوائق رجاله .

وعذروه أيضا في حربه عليا كرم الله وجهه، وهو أخو النبي ووصيه ونفسه في آية المباهلة ووليه بعد انعقاد البيعة له حتى قتل من المسلمين ألوف مؤلفة ، وقد قال رسول الله ( ص ) فيما أخرجه البخاري ( 21) ومسلم في صحيحيهما ” سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ” ( 22) وقال صلى الله عليه وآله يوم جلل عليا وفاطمة والحسن والحسين بالكساء فيما ذكره ابن حجر في صواعقه ( 23) وأبو بكر بن شهاب الدين في رشفته من جملة حديث : ” أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ” ( 24) وقال صلى الله عليه وسلم : ” حرب علي حربي وسلمه سلمي ” إلى غير ذلك من الصحاح التي لا حاجة إلى إيرادها لتواترها بين المسلمين .

وعذروه أيضا في لعنه بقنوت الصلاة رجالا أذهب عنهم الرجس محكم التنزيل وهبط بتطهيرهم جبرائيل وباهل بهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه الجليل ، أولئك الذين فرض الله مودتهم وأوجب الرسول ولايتهم .

وهم أحد الثقلين اللذين لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الله من ضل عنهما ، ألا وهم أمير المؤمنين أخو الرسول ووليه وصاحب العناء بتأسيس دينه ووصيه ومن شهد الرسول بأنه يحب الله ورسوله ، وإنه منه بمنزلة هارون من موسى ، وولداه سبطا رسول الله وريحانتاه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

ولعن معهم عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة مع ما علم من وجوب تعظيمهم بحكم الضرورة من دين الإسلام وما ثبت بالعيان من شرف مقامهم لدى سيد الأنام ، وكيف لا يكونون كذلك وهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة .

وما اكتفى بذلك حتى أمر بلعن أمير المؤمنين كرم الله وجهه في كل كورة وترك ذلك سنة على أعوادها في كل عيد وجمعة ، وما زالت الخطباء في جميع الأنحاء تعد تلك البدعة المكفرة جزء من الخطبة إلى سنة 99 فأزالها خير بني مروان عمر بن عبد العزيز وهذا كله معلوم بالضرورة مقطوع فيه بحكم البداهة قد أجمع أهل العلم على صدوره واتفقت كلمة أهل السير على نقله فراجع ما ما شئت من كتب الأخبار لتعلم أن المسألة كضوء النهار .

وكان الحسن قد شرط على معاوية إذا اصطلحا شروطا منها أن لا يشتم أباه فلم يجبه إلى هذه وأجابه إلى ما سواها ، فطلب الحسن أن لا يشتم عليا وهو يسمع ، قال ابن الأثير وابن جرير وأبو الفداء وابن الشحنة وكل من ذكر صلح معاوية والحسن : فأجابه إلى ذلك ثم لم يف له به ا ه‍ .

بل شتم عليا والحسن على منبر الكوفة ، فقام الحسين ليرد عليه فأجلسه الحسن رضى الله عنهما ، ثم قام بأبي هو وأمي ففضح معاوية وألقمه حجرا ، وهذه القضية ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين وكثير من أهل السير والأخبار ، ولم يزل معاوية يلعن أمير المؤمنين أمام البر والفاجر ويحمل عليها الأصاغر والأكابر حتى أمر سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم في باب فضائل علي من صحيحه بالإسناد إلى عامر بن سعد قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعد ابن أبي وقاص فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول ( ص ) فلن أسبه لا تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم – الحديث ( 25) .

وأمر الأحنف بن قيس فقال له كما نص عليه جماعة منهم أبو الفداء في أحداث سنة 67 من تاريخه : والله لتصعدن المنبر ولتلعننه طوعا أو كرها ، فكان بينهما كلام أفضى إلى خوف معاوية من الفضيحة إذا استوى الأحنف على المنبر فأعفاه من ذلك .

وقد علم الناس كافة إن معاوية لم يقتل حجرا وأصحابه الأبدال إلا لامتناعهم عن لعن أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، ولو أجابوه إلى لعنه لحقنت دماؤهم فراجع مقتل حجر في أول الجزء 6 ؟ من كتاب الأغاني لأبي الفرج المرواني ، وفي أحداث سنة 51 من تاريخ ابن جرين وابن الأثير وغيرهما لتعلم الحقيقة ، وتعرف أن عبد الرحمن بن حسان العنزي لما أبى وامتنع عن لعن علي كرم الله وجهه في مجلس معاوية أرسله إلى زياد وأمره أن يقتله شر قتلة ، فدفنه حيا ، وما زال يلعن عليا على رؤوس الأشهاد ، ويحمل على لعنه بالترهيب والترغيب كافة العباد في كافة البلاد .

هذا مع ما صح من قول النبي ( ص ) : ” من سب عليا فقد سبني ” أخرجه الحاكم وصححه ، وهو عندنا من المتواترات ، وأخرج النسائي في صفحة 17 من الخصائص العلوية وابن حنبل في 323 من الجزء السادس من مسنده من حديث أم سلمة عن عبد الله أو أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي أيسب رسول الله فيكم ؟ قلت : معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها قالت : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : من سب عليا فقد سبني ( 26) ا ه‍ .

وقال ابن عبد البر في ترجمة علي من استيعابه ما هذا لفظه : وقال صلى الله عليه وآله وسلم : من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ا ه‍ ( 27) .

وقال ( ص ) فيما أخرجه الطبراني وغيره : ما بال أقوام يبغضون عليا ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن فارق عليا فقد فارقني ، إن عليا مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم يا بريدة أما علمت أن لعلي أفضل من الجارية التي أخذ وهو وليكم بعدي .

وقال ( ص ) فيما أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما ( كما في الفصل الثاني من الباب 9 من الصواعق ) عن عمران بن حصين أن رسول الله قال : ما تريدون من علي ما تريدون من علي ما تريدون من علي ، إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي .

وفي ترجمة علي ( كرم الله وجهه ) من الاستيعاب ما هذا نصه : وروى طائفة من الصحابة أن رسول الله ( ص ) قال لعلي رضي الله عنه : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .
قال : وكان علي رضي الله عنه يقول : والله إنه لعهد النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ا ه‍ .

قلت : وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه ، وقد تواتر قوله صلى الله عليه وسلم : ” من كنت مولاه فعلي مولاه ( 28) اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ” ا ه‍ .

ومقامنا لا يسع استقصاء ما جاء في وجوب موالاته ولا يفي باستيفاء ما دل على تحريم معاداته ، فنلفت الراغب في ذلك من إخواننا المسلمين إلى ما أودعناه في كتابنا سبيل المؤمنين ، فإنه متكفل بالتفصيل متعهد بإقامة البرهان والدليل على أن هذا المقدار كاف لأولي الأبصار ، وإذا صح اجتهاد معاوية في مقابل هذه الأحاديث الصحيحة وجاز تأوله في عرض تلك النصوص الصريحة ، فتأمل من يستفرغ وسعه في التعبد بالأدلة ويستغرق جهده في العمل بقواعد الملة أولى بالصحة وأحق بالجواز على أن أفعاله لم تكن إلا لطلب الملك ( 29) انتزاعه من أهله وعداوته لعلي إنما هي ناشئة عن الأحقاد البدرية والضغائن الجاهلية .

وأما المتأولة من فقراء المسلمين ومساكين أهل الدين فإنه لا طمع لهم بملك ، ولا أمل لهم بسلطان ولا ثأر لهم يطلبونه ولا غرض لهم سوى الحق يقصدونه ، وقد اقتفوا أثر البرهان واتبعوا أدلة أهل الإيمان فإن أصابوا فمأجورون وإن أخطأوا فمعذورون .

وهذا آخر ما أوردناه في هذا الفصل فاحكموا أيها المنصفون بالعدل .
والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى ورحمة الله وبركاته .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال الثالث :

– من كتاب السيف والسياسة – صالح الورداني ص 132 :

 جرائم معاوية

لم يكن معاوية يتحلى بشئ من خلق الإسلام أو يتأدب بأدبه كما لم ينهل شيئا من العلم كذلك كان حال من تحالف معه وكان من جنده . . وكانت رايته راية دنيا وهوى ولم يكن للدين فيها أدنى نصيب . .

من هنا فإنه يمكن القول أن معاوية ربما يكون أول من ابتدع قاعدة الغاية تبرر الوسيلة وعلى أساسها حطم القيم والمبادئ وانتهك الحرمات وأراق الدماء ونقض العهود وغدر بالمسلمين وبدل أحكام الدين . .

ولقد استعان معاوية بشرار الخلق من أجل تصفية المعارضين والقضاء على شيعة الإمام علي ومحو ذكره . . وعلى رأس الذين استعان بهم معاوية في تصفية المسلمين الملتزمين بالإسلام النبوي من أنصار الإمام بسر بن أرطأة .

تلك الشخصية الدموية التي لم ترحم شيخا ولا امرأة ولا طفلا وارتكبت من الفظائع والمنكرات ما تقشعر له الأبدان . .

تروي كتب التاريخ أن معاوية أرسل بسر بن أبي أرطأة ليستخلص الحجاز واليمن من الإمام علي . ولما دخل المدينة صعد منبرها وقال : أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس ( يعني عثمان ) ثم قال يا أهل المدينة عليكم ببيعة معاوية وأرسل إلى بني سلمة فقال ما لكم عندي أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله وكان من شيعة الإمام ثم قام بهدم دورا بالمدينة . وانطلق إلى مكة ففر منه أبو موسى الأشعري فقيل ذلك لبسر . فقال ما كنت لأقتله وقد خلع عليا . وأتى إلى اليمن فقتل

عاملها وابنه ثم قتل ابنان صغيران لعبيد الله بن عباس

– ص 132 –

الذي كان قد فر من وجهه إلى الكوفة . وقد صاحت في وجه بسر امرأة من بني كنانة قائلة في غضب : يا هذا قتلت الرجال فعلام تقتل هذين والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام . والله يا ابن أبي أرطأة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ . الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء . . ( 28 )

ولم تقف جرائم بسر عند هذا الحد بل تجاوزه . . إلى ارتكاب جريمة لم يسبقه إليها أحد في تاريخ الإسلام وهي سبي نساء المسلمين . .

يروي ابن عبد البر : أغار بسر بن أرطأة على همدان . وكانت في يد علي – وسبى نساءهم فكن أول مسلمات سبين في الإسلام . وقتل أحياء من بني سعد . . ( 29 )

ويروى أن بسر بن أرطأة كان من الأبطال الطغاة وبارز عليا يوم صفين فطعنه علي فصرعه فانكشف له – أي كشف عورته له – فكف عنه كما عرض له مع عمرو بن العاص . . ( 30 )

ويروى بخصوص بسر وعمرو : إنما كان انصراف علي عنهما وعن أمثالها من مصروع أو منهزم لأنه كان لا يرى في قتلا الباغين عليه من المسلمين أن يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير وتلك كانت سيرته في حروبه في الإسلام ( 31 )

وبسر هذا الذي ارتكب هذه الفظائع من أجل معاوية يعده القوم من الصحابة لأنه ولد في حياة الرسول ورآه وعلى هذا يدخل بسر في دائرة العدالة حسب قاعدة عدالة الصحابة وبالتالي تتحول جرائمه إلى اجتهادات فعلها متأولا ويثاب عليها .

وجميع من تحالف مع معاوية هو من نموذج ابن أرطأة من الصحابة المختلقين الذين تحص بهم معاوية وجاء أهل السنة فأضفوا عليهم المشروعية . .

  * هامش *

( 28 ) أنظر الإستيعاب ترجمة بسر بن أرطأة وكذلك الإصابة وأسد الغابة . والمراجع السابقة . .
( 29 ) أنظر الإستيعاب . .
( 30 ) المرجع السابق . .
( 31 ) المرجع السابق ( * )

 

– ص 133 –

ومن هنا فقد روى بسر عدة أحاديث في كتب السنن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي سنن أبي داود روى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تقطع الأيدي – للسارق – في السفر .

وعند ابن حبان روى عن الرسول قوله اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها . وقال فيه ابن حبان : كان يلي لمعاوية الأعمال وكان إذا دعا ربما استجيب له وله أخبار شهيرة في الفتن لا ينبغي التشاغل بها . . ( 32 )

وكان معاوية أول من ابتدأ بقطع الرؤوس في الإسلام . وكان قد قطع رأس عمار بن ياسر ورأس عمرو بن الحمق وهو أحد الذين قادوا الثورة ضد عثمان . كذلك فعل مع محمد بن أبي بكر في مصر حين دخلها عمرو بن العاص ووضعوا جثته في حمار ميت وأحرقوها . وقد أصبحت سنة قطع الرؤوس التي سنها معاوية من السنن التي التزم بها الحكام من بعده . .( 33 )

ومن جرائم معاوية أمره بسب الإمام علي ولعنه على المنابر ومثل هذه الجريمة لا تعد موقفا شخصيا عدائيا من الإمام إنما هي تعبر عن عدائية معاوية للإسلام النبوي الذي يمثله وخوفه من أن تتسرب مفاهيم هذا الإسلام للمسلمين فيكتشفوا زيفه وضلاله .

ولقد تصدى شيعة الإمام لهذه الحملة الإعلامية الشيطانية التي قادها معاوية ضد الإمام علي بعد مصرعه ومصرع الحسن وسيطرته على الحكم . . وعلى رأس الذين تصدوا لحملة معاوية هذه الصحابي الجليل حجر بن عدي وعدد من أنصار الإمام في ولاية زياد بن أبيه بالعراق .

فكان أن قبض عليه زياد وعدد من رفاقه وأرسلهم إلى معاوية في الشام بكتاب يحرضه فيه عليهم متهما حجرا وأصحابه بالدفاع عن علي والبراءة من عدوه وأهل حربه . وقد طلب من حجر وأصحابه البراءة من علي ولعنه فأبوا .

  * هامش *

( 32 ) أنظر الإصابة ج1 . ترجمة بسر بن أرطاة . . وتأمل تعريف الصحابي في مقدمة الإصابة . .
( 33 ) أنظر كتب التاريخ والتراجم . ( * )

 

– ص 134 –

وقال حجر : لا أقول ما يسخط الرب . فأمر معاوية بقتله وعدد من أصحابه في مرج عذراء عام 51 ه‍ . . ( 34 )

ومن جرائم معاوية تآمره على قتل الإمام الحسن بالسم وتوليه ولده يزيد خليفة له فكان أن شرع للملكية في الإسلام لتذوق الأمة على يد ولده وملوك بني مروان من بعده ألوان العذاب والظلم والاستبداد . .

يقول الحسن البصري : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة . انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة . واستخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب

الطنابير . وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر . وقتله حجرا وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر . . ( 35 )

وعلى يد يزيد بن معاوية وقعت جريمتان بشعتان : الأولى قتل الحسين وأهل بيته في كربلاء . والثانية استحلاله مدينة رسول الله وذبح أهلها وهتك أعراض نساءها . .

تروي كتب التاريخ أن أهل المدينة عصوا يزيد وشقوا عصا الطاعة بعد مصرع الحسين فكان أن سير إليهم جيشا استباح المدينة ثلاثة أيام وقتل آلاف الأنفس من الأشراف وغيرهم وهتك أعراض النساء حتى قيل أنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زواج . . ( 36 )

وعلى الرغم من هاتين الجريمتين بالإضافة إلى منكرات يزيد الأخرى فإن فقهاء

  * هامش *

( 34 ) أنظر الطبري ج4 / 190 وما بعدها . وانظر الإصابة ج1 / 333 حرف الحاء القسم الأول والإستيعاب بهامشه ج1 / 381 / 382 .
( 35 ) أنظر الكامل ج3 / 242 . والبداية والنهاية ج8 / 130 . .
( 36 ) أنظر الطبري ج4 / 372 وما بعدها . والكامل ج3 / 310 وما بعدها . والبداية والنهاية ج8 / 372 وما بعدها ( * )

 

– ص 135 –

القوم قد انقسموا على أنفسهم تجاهه . فمنهم من أجاز لعنه وهم قلة . بينما توقف أكثرهم فيه بحجة أن ذلك سوف يفتح الباب للعن والده أو غيره من الصحابة . . ( 37 )

يقول الحسن البصري عن أهل الشام : قبحهم الله وبرحهم أليس هم الذين أحلوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتلون أهله ثلاثا قد أباحوها لأنباطهم وأقباطهم يحملون الحرائر ذوات الدين لا ينتهون عن انتهاك حرمة ثم خرجوا إلى بيت الله الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النيران بين حجارها وأستارها عليهم لعنة الله وسوء الدار . . ( 38 )

ويلاحظ أن الحسن البصري يلعن أهل الشام بالعموم دون تحديد وهو بهذا يسير على نهج القوم من عدم جواز لعن المعين . كما أن هذا الموقف كان في العصر العباسي .

أما ابن تيمية فقد دافع من يزيد ونفى عنه كل الشبهات بقوله : كان من شبان المسلمين ولا كان كافرا ولا زنديقا وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم . وكان فيه شجاعة وكرم ولم يكن مظهرا للفواحش كما يحكي عنه خصومه وهو لم يأمر بقتل الحسين ولا أظهر الفرح بقتله . . لكن أمر بمنع الحسين وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله . . ( 39 )

  * هامش *

( 37 ) أنظر البداية والنهاية ج8 / 223. واستدل أحمد على جواز لعن يزيد بقوله تعالى : فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله سورة محمد . . ثم قال : وأي فساد وقطع رحم أكبر مما ارتكب بزيد . .

( 38 ) أنظر الكامل ج4 / 170 .

( 39 ) فتاوى ابن تيمية ج3 / 410. وما بعدها . . وابن تيمية معذور في موقفه هذا إذ أن كبير فقهاء الصحابة في نظر أهل السنة عبد الله بن عمر قد بايع يزيد وهدد أهل المدينة الذين خلعوا يزيد بقوله إني لا أعلم عذرا أعظم من أن يبايع رجل – يزيد – على بيع الله ورسوله

ثم ينصب له القتال وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه – أي يزيد – إلا كان الفيصل بين وبينه . ولما جاء جيش يزيد واقتحم المدينة وفعل بها ما فعل بعد مصرع الحسين أمن ابن عمر وحزبه ولم يمسهم بسوء . وما حدث لأهل المدينة على يد جنود يزيد لا يعد جريمة ولا فاحشة في

نظر ابن تيمية . أنظر البخاري كتاب الفتن . وانظر تبريرات فقهاء السنة لهذا الحدث الأليم في البداية والنهاية لابن كثير وغيره من كتب التأريخ . . ( * )

 

– ص 136 –

إن مثل هذه الجرائم من معاوية وولده إنما تؤكد أن الصراع بينهما وبين آل البيت هو صراع مصيري بين عقيدتين متناقضتين ومتباعدتين ليس بينهما لقاء بأي صورة من الصور .

مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تنسب إلى أناس ينتمون إلى الإسلام . . والذين يصفون هذا الصراع بأنه صراع في دائرة الإسلام ويضفون على معاوية صفة المجتهد ويحاولون تبرئة ولده إنما يرتكبون جريمة كبرى في حق الإسلام والمسلمين من أخطر نتائجها تلميع الإسلام الزائف الذي فرضه معاوية على الأمة . .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال الرابع :

د. محمد طي
الامام علي ومشكلة نظام الحكم

النظام الذي أعقب علياً (ع)

لقد انهار النظام الاسلامي كله بوصول معاوية بن أبي سفيان إلى الحكم. فقد ارتد الخليفة الجديد في موضوع تعيين الحاكم وفي صلاحياته، وفي موضوع حقوق الإنسان وحرياته، وفي غيرها… الأمر الذي عُبّر عنه بإقامة “الملك العضوض” بدلاً من “الخلافة”. فكيف مارس معاوية مهماته؟

الحق في السلطة:

لقد كان المعين لمعاوية في وصوله إلى السلطة، “قميص عثمان”، إذ أن العامل الأموي على الشام ترك عثمان يحاصر ويقتل مع استصراخه له.

وبعد أن قتل عثمان تصدى معاوية، تحت ستار الثأر له، إلى مقاتلة الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب، حتى إذا اغتيل علي، توصل معاوية إلى الاستيلاء على حكم المسلمين.

إذاً أقام معاوية سلطته على الأساس القبلي، الذي أتى الإسلام لينسفه، معتمداً الاتهامات غير الصحيحة، ومتوسلاً بالخداع وحجب المعلومات الحقيقة، حتى إذا وصل إلى ما يريد، كشف عن أغراضه بكل وضوح، فكانت مبادىء حكمه هي التالية:

مهمة الحاكم:

بعد أن كانت مهمة الخليفة، تعليم الرعية ووعظهم والنصح لهم، إضافة إلى إشاعة العدل وتوفير الفيء وإقرار النظام تحولت في زمن معاوية إلى تأمُّر وتسلُّط مبني على الاستخفاف بالعهود، التي قدّسها الإسلام. فقد أعلن عندما وصل الكوفة، أنه لن يلتزم بأي اتفاق، وأنه لا يريد إلاّ التحكم، وذلك في خطابه الذي جاء فيه: “يا أهل الكوفة، أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلّون وتزكّون وتحجّون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وألي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا أن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين”.
أما خطابه لأهل المدينة، من أبناء المهاجرين والأنصار، فلم يكن أفضل، إذ يعلن أنه حكمهم بالقوة ويرفض السير على نهج أبي بكر وعمر، فهو يقول: “اما بعد، فإني والله ما ولّيتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرّة بولايتي، ولكني جالدتكم عليها بسيفي هذا مجالدة… وقد رُضتُ لكم نفسي على عمل ابن أبي قحافة واردتها على عمل عمر، فنفرت من ذلك نفاراً شديداً”.

أما التعليم والتأديب والنصيحة، التي التزم بها الخلفاء الأول فقد تحولت في ايام معاوية إلى رشوة وتجهيل وإخافة، واستمرت في عهد خلفائه، حتى أن “الشيوخ من أهل الشام (كانوا) يقسمون لأبي العباس السفاح، أنهم ما علموا لرسول الله (ص) قرابة ولا أهل بيت يرثونه، غير بني أمية، حتى وليتم الخلافة”.

هذا وكان معاوية أعلن بنفسه جهل أهل الشام بمن بنوا الإسلام، يوم قال مخاطباً عمار بن ياسر: “إن بالشام مئة ألف فارس، كل يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون علياً ولا قرابته، ولا عماراً ولا سابقته، ولا الزبير ولا صحابته، ولا طلحة ولا هجرته، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله، ولا يتقون سعداً ولا دعوته”.

حق الإنسان بالحياة:

كان معاوية يستخف بهذا الحق استخفافاً ملفتاً، إذ فكّر بأبادة جزء من الموالي، وذلك لا لذنب سوى أنهم موالٍ، وقد ينتفضون على العرب وعلى الحكم يوماً ما. فهو يقول للأحنف بن قيس: “إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت… وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان، فقد رايت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق”. وقد سار خلفاؤه على تزكية الحساسيات بين الموالي والعرب، فكان الحجاج يخاطب الموالي بالعلوج والأعاجم، ويبقي الجزية على مسلميهم حفاظاً على مداخيله. وقد كتب إلى عماله: إن الخراج قد كسر، وأن أهل الذمة قد دخلوا الإسلام ولحقوا بالأمصار”، فأمر بإرجاعهم وإبقاء الجزية والخراج عليهم.

كما أن معاوية أمر بسم الحسن بن علي (ع)، وقتل حجر بن عدي وأصحابه، كما قتل عمرو بن الحمق الخزاعي، لا لسبب، إلا لأنه كان يخشى منافسة الأول لورثته من بعده، ولكي يسكت أي صوت يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. فقد كان السبب في قتل حجر بن عدي وصحبه، أنهم استنكروا عدم احقاق الحق على يدي عامله زيادة العراق، بعدم القود من مسلم عربي قتل ذمياً، وكانت النتيجة أن أمر معاوية بقتله مع عدد من الرجال ممن رأوا رأيه.

وقد أصبح القتل من أسهل الأمور عند الأمويين فيما بعد، حتى وصل الحال بخالد بن عبد الله القسري، عامل الأمويين على العراق، أن يذبح الجعد ابن درهم في أسفل المنبر يوم عيد الأضحى، معلناً انه سيضحي به، وذلك لأن الجعد يحمل رأياً لا يروق السلطة، لا لأنه كافرا أو مرتد. إلى جانب إزهاق آلاف الأرواح بدون حق”.

الحق بالملكية الخاصة:

لم يصن معاوية هذا الحق، وكانت مسألة العطاء هي المسألة التي جرى خرق التعاليم الإسلامية بخصوصها، فلم يكتف معاوية بالرشاوى، بل عمد إلى المعاقبة بقطع العطاء عمن لا يؤيده، حتى ولو كان مستعداً للجهاد، الأمر الذي أخلّ بمبدأ المساواة إخلالاً فظيعاً.

فعلى صعيد الرشاوى، كان معاوية يمنح المال إلى المقربين منه، ولعل مساوماته مع عمرو بن العاص حول إعطائه مصر طعمة له، ما يبرز طبيعة وحجم تلك الرشاوى.

أما الحرمان من العطاء فقط طال مؤيدي علي، إلاّ من بقي يراوده الأمل في إسكاته أو تقريبه، ولكن الفئة التي يكرهها الأمويون، والتي منيت بالحرمان بشكل ملفت هم الأنصار، باستثناء عدة أشخاص منهم كالنعمان بن بشير بن سعد، الذي كان أبوه عيناً لقريش بين الأنصار يوم السقيفة.

وهكذا فقد أتى وفد الأنصار يطالب بحقوقهم، وقدّموا على رأسهم النعمان بن بشير نفسه، ليشفع لهم، وهم يشكون الفقر والفاقة، وقالوا لمعاوية: “لقد صدق رسول الله في قوله لنا: “ستلقون بعدي أثرة” فقد لقيناها”.

فقال معاوية: فماذا قال لكم؟

قالوا: قال لنا: فاصبروا حتى تردوا علي الحوض.

قال معاوية فافعلوا ما أمركم به، عساكم تلاقونه غداً عند الحوض، كما أخبركم. وحرمهم ولم يعطهم شيئا.

على أن تصرّف معاوية هذا فتح الباب فيما بعد، ليزيد ابنه ليفتك بهم، ويستبيح المدينة تقتيلاً لرجالها، واغتصابا لعذاراها، في وقعة الحرة الشهيرة.

وأما سلوك معاوية الشخصي فكان على نقيض الخلفاء، فقد كان يلبس الحرير ويشرب في آنية من الذهب والفضة، وهذا ما كان يستنكره كبار المسلمين، حتى قال له أبو الدرداء يوماً: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: “إن الشارب فيهما لتجرجر في جوفه نار جهنم”. فأجاب معاوية: أما أنا فلا أرى بذلك بأسا”.

ولعل هذا ما فتح الباب واسعاً لخلفاء بني أمية حتى يتنعّموا بأموال المسلمين، حتى أن هشام بن عبد الملك كان “لا يحمل ملابسه” إلا سبعماية جمل من أجلد ما تكون من الإبل، وأعظم ما يحمل عليه من الجمال.

شرعية الجرائم والعقوبات:

لقد وجّه معاوية ضربة قاصمة إلى التشريع الإسلامي، عندما عبث بأحد المصدرين الرئيسيين لهن حسب إجماع المسلمين، فقد أمر عماله بالبراءة ممن يروي الأحاديث في فضل علي، كما أمر بوضع الأحاديث لصالح الصحابة، وبأن يوضع في مقابل كل حديث في علي حديث في أحد الصحابة. فقد روى المدائني في كتاب “الأحداث”: أن معاوية كتب نسخة موحدة إلى عماله بعد استيلائه على الحكم: “أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته”. كما كتب نسخة أخرى: “أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان وأهل ولايته، من الذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم”، ففعلوا.

وكانت النتيجة أن “ظهر حديث كثير موضوع وبهتان، فنشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان اعظم الناس في ذلك بلية، القرّاء المراؤون المستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين، الذي لا يستحلّون الكذب والبهتان، فتقبلوها ورووها على أنها صحيحة.

وإذا علمنا أن القرآن حمّال ذو وجوه، وأن السنة هي المفسّرة الدقيقة له في الكثير من الأحكام، أدركنا أي انقلاب على الاسلام قام به معاوية، بحيث نسف اسسه من الأعماق.

ثم عيّن الخلفاء الأمويون، من البيت المرواني، الحجاج بن يوسف، الذي طبّقت شهرته الآفاق في القتل والصلب والتقطيع والتخليد في السجون.

على أن جرائم معاوية لم تطل فقط من لم يكن مؤيداً له، فهو كان لا يقيم وزناً حتى لذمة رسول الله، فكان يأمر بالإغارة على أطراف العراق وعلى سواده، بقصد القتل، حتى لو طال القتل النصارى. وهذا ما أنّبه علي (ع) من أجله حين قال له: “ويحك وما ذنب أهل الذمة في قتل ابن عفان؟”.
هذا وكان معاوية يحاول أحياناً كثيرة إهانة كبار المسلمين وقتلهم، ولكنه كان يتراجع عندما يجد عندهم الحزم، ويخاف قبائلهم، دون مراعاة لكتاب أو سنة.

أما سائر خلفاء الأمويين، فقد تخلّوا عن المرونة الظاهرية بعد أن استتب لهم الحكم. فهذا عبد الملك بن مروان يرفض أي نقد أو توجيه، ويصرّح في خطبة له: “والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه”.

ويسير عمال بن أمية على النهج الجديد، فالحجاج بن يوسف، الذي مات عن خمسين ألف سجين عدا المصلوبين والمقطعين، يقول: “والله لا آمر أحداً أن يخرج من باب من ابواب المسجد، فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه”.

هذا وقد أعلن عدد من الخلفاء اللاحقين، من بني أمية، تعاليمهم على الناس، وعدم قبولهم بما كان يتقبله اسلافهم. فقد ودّع عبد الملك بن مروان القرآن عندما بويع له بالخلافة، وقال: “هذا آخر عهدنا بك”. وخطب على منبر رسول الله(ص) يقول: “يا معشر الأنصار إنكم لا تحبوننا أبداً وأنتم تذكرون يوم الحرة، ونحن لا نحبكم أبداً ونحن نذكر مقتل عثمان” ويضيف “الا أني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلاّ بالسيف، حتى تستقيم لي قناتكم… ألا أن الجامعة (القيد الذي يجمع اليدين إلى العنق) التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي، والله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه”.

أما ابنه الوليد، فكان فعلاً ابن السلالة الأموية. وها هو يخاطب في رعيته بقوله: “إنكم كنتم تكلمون من كان قبلي من الخلفاء بكلام الأكفّاء، وتقولون: يا معاوية ويا يزيد وإني أعاهد الله! لا يكلمني أحد بمثل ذلك إلاّ أتلفت نفسه”. وهو الذي كان يستفسر مستنكراً: “أيمكن للخليفة أن يحاسب”. وقد أتى أخوه يزيد بأربعين شيخاً فشهدوا له: “ما على الخليفة من حساب ولا عذاب”.

أما الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقد كان يرمي القرآن بالنبل ويقول:

“أتوعد كل جبار عنيـد
فهـا أنا ذاك جبـار عنيد
إذا لاقيت ربك يوم حشر
فقل يـا رب مزّقني الوليد

وقد عزم على أن يحج ليشرب الخمر فوق ظهر الكعبة. ولما قتل خاطبه أخوه سليمان قائلاً: “أشهد انه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً ولقد راودني عن نفسي”.

هذا وقد تمادى خلفاء بني أمية وعمالهم في تجاهل الشرع، فإسترقّوا المسلمين وأبقوا الجزية على بعضهم. فقد سبى زياد ذراري قريب وزحاف الخارجين، ثم سبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري وبنت لقطري بن الفجاءة المازني، وأم يزيد بن عمرو بن هبيرة واسترققن. كما سبي رجال من المسلمين واسترقوا أيضاً، كواصل بن عمرو القنا وسعيد الحروري. كما كانوا يبيعون الرجل في الدين، كمعز أبي عمير بن معن الكاتب، الذي اشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العنكي. وباع الحجاج علي بن بشير الماحوز، لأنه قتل رسول المهلب إلى رجل من الأزد. كل ذلك إلى جانب أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة بعد وقعة الحرة على أنهم عبيد أرقّاء ليزيد بن معاوية.

وأخيراً فإن الأمويين، بعد معاوية وبعد ما سنّ لهم من استباحة الشرائع، أرسوا تقاليد نبش القبور والتمثيل بالجثث، كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين، الذي نبشوا قبره، وأخرجوا جثته، ورموا برأسه في ارض الدار، يوطأ بالأقدام، وينقره الدجاج.

وكل هذه عقوبات مخالفة للقرآن والسنة، وخاصة لمبدأ “شرعية الجرائم والعقوبات”.

الحريات العامة:

لم يكن معاوية يقيم أي وزن للحريات العامة، إلاّ مراعاة لموازين القوى. فكان يسكت على النقد والاستنكار ما داما لا يشكلان خطراً على حكمه، وقد سأله أحد أقربائه كيف يسمح لزعماء القبائل والعشائر بأن ينتقدوه، فقال له: أنحول بين الناس والسنتهم. فما داموا لا يهددون ملكنا فليقولوا ما يشاؤون”.

على هذا النهج سار معاوية، ضارباً بالحريات، خصوصاً في المجال السياسي، عرض الحائط. ففي مجال اختيار خليفته، عبث معاوية بمسألة البيعة إلى الدرجة التي اختار فيما ابنه يزيد خليفة له، وهو لم يكن من المسلمين إلاّ في بعض الظاهر إذ كان سكّيراً قاتلاً يلاعب القرود، وقد مات فيما كان يجري سباقاً مع قرد، فوقع من فوق الحصان وعلقت رجله بالركاب، وجرّه الحصان حتى مات، وهو الذي قتل الحسين (ع)، وأصحابه في سنته الأولى، واحتل المدينة واباح رجالها ونساءها لجيشه بعد موقعة الحرة في السنة الثانية، وأمر بدكّ الكعبة في السنة الثالثة.

أما عن كيفية أخذ البيعة من المسلمين، ليزيد فكانت صفعة للإسلام، وخاصة في فكرة السياسي، فقد أجلس معاوية ابنه يزيد لأخذ البيعة، فتولى الأمر من بين من تكلموا، يزيد بن المقنّع، فقال مشيراً إلى معاوية: “أمير المؤمنين هذا. فإن هلك، (وأشار إلى يزيد) فهذا، فمن أبى (وضرب يده على السيف) فهذا.

ثم أن معاوية، بعد أخذ البيعة لابنه في الشام، توجه إلى المدينة فجمع أبناء المهاجرين والأنصار، ودعا إلى البيعة من على منبر رسول الله (ص)، موقفاً حواليه كبار المسلمين، موكلا حرسه بهم مع أوامره بضرب عنق من يحاول الكلام منهم، فيما يشهد هو عن السنتهم بأنهم بايعوا يزيد.
وقد ذهبت هذه العادة سنّة في بني أمية، فقد أوصى عبد الملك بن مروان ابنه الوليد بقوله: “وادع الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا (أي رفض)، فقل بسيفك هكذا (أي اضرب عنقها).
كما أن سليمان بن عبد الملك، دعا بقرطاس وكتب فيه العهد لخليفته وختمه، وأرسل من ينادي في الناس قائلاً: “إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب”. ولما شعر بأن البعض يتساءلون، رجع إلى سليمان، فأمره بأن ينطلق إلى صاحب الشرطة، ثم يجمع الناس ويأمرهم بالبيعة فمن أبى ضرب عنقه.

أما في الجوانب الأخرى من الحريات التي أرساها الإسلام، فلم يكن الشرع يعرف طريقه إلى التطبيق، بعدما شجع معاوية من أتى بعده على الاستبداد والتحكم الكيفي، فكان انتهاك حرمات المنازل، وقتل الأطفال أمراً مألوفاً. فبسر بن أرطأة، الذي كلفه معاوية بالترويع والقتل في الحجاز واليمن دخل بيتاً فيه طفلان لعبيد الله بن العباس، فضربهما بالأرض فماتا، واستهل حلفاء معاوية أمر انتهاك الحرمات، فدخلوا دور بني هاشم، أيام يزيد، وسائر بيوت المدينة عنوة، فقتلوا واغتصبوا النساء وسبوهن، وما سبي بنات رسول الله (ص) بعد مقتل الحسين إلاّ القمة التي وصل إليها هؤلاء القوم في انتهاك حرمة الإسلام، وليس حرمة البيوت وحسب.

المساواة:

لم يكن معاوية مؤمناً بالمساواة، وكان يدّعي للناس أن قريشاً كان يحوطهم الله على كفرهم، فكيف وهم مسلمون، فلم يكن يعطي بالسوية، بل كان يعطي المال إما رشوة، وإمّا بسبب القرابة. وقد تحوّل بنو أمية إلى فئة ارستقراطية نتيجة لهذه المعاملة.

وكان التسويغ الذي يستخدمه معاوية، هو أن المال مال الله وهو وكيل الله، فباستطاعته توزيع المال كما يشاء. وقد أجابه أبو ذر الغفاري على هذا الادعاء: بأن المال مال المسلمين، ولهم حقوق معلومة فيه ومحددة، الأمر الذي دفع به إلى التخلص من أبي ذر، وكان ذلك في زمن عثمان.

الغدر ونقض العهود:

لم يكن معاوية يقيم وزناً للعهود، وحتى الموثقة منها بالأيمان المغلّطة، رغم تشديد القرآن والرسول وقادة الاسلام على الوفاء بالوعد. فقد نقض معاوية ما تعهد به للحسن بن علي (ع)، كما رأينا، ولمّا يجفّ حبره، وكذلك هو تعهد لجعدة بن الأشعث بن قيس، إن هي سمّت الإمام الحسن، بتزويجها من يزيد وحنث، كما حنث مع عبد الله بن سلام الذي دفعه إلى طلاق زوجته أرينب بنت إسحاق ليزوّجها إلى يزيد، واعداً زوجها بأن يزوجه ابنته، فلما طلُّق عبد الله بن سلام أرينب، لم يف له معاوية بما وعده، كما تراجعت ابنة معاوية عن وعدها له.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال الخامس :

معاوية بن أبي سفيان … وعائشة : لنبيل فياض

لاشك أن عائشة هي التي مهدت الطريق لوصول الأمويين إلى الحكم، وذلك عبر إضعافها لعلي وإثارتها للقلاقل في وجهه من جهة، وعبر تصفية أبرز منافسين لمعاوية في الأمر، الزبير وطلحة، من جهة أخرى. وبعكس سلوكها في أيام علي، فهي لم تحرك ساكناً في هذه المرحلة، رغم كلّ جرائم معاوية وفظائعه.

كانت أولى جرائم معاوية التي مسّت عائشة شخصياً، قتله لأخيها محمد عام 38هـ، أي قبل تسلّمه الخلافة، بعد حيلة المصاحف في صفين. فقد ولّى عليّ محمداً مصر، فدخلها عام 37هـ؛ لكن معاوية أرسل عمرو بن العاص إلى مصر عام 38هـ، فتغلّب على محمد، ثم قتله معاوية بن خديج، كما أشرنا، صبراً، وأدخلوا جثته في بطن حمار ميت، وأحرقوه. «ولما بلغ ذلك عائشة، جزعت عليه جزعاً شديداً، وقنتت في دبر كلّ صلاة، تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن خديج، وقبضت عيال محمد أخيها إليها، فكان القاسم بن محمد من عيالها… وحلفت عائشة لا تأكل شواء أبداً بعد قتل محمد، فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله، وما عثرت قط حتى قالت: تعس معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن خديج».

حجر بن عدي :

كان حجر بن عدي متعاطفاً مع علي، وكان ينتقد المغيرة بن شعبة، عامل معاوية ابن أبي سفيان على الكوفة، الذي أمره أمير مؤمني عصره بشتم عليّ من فوق المنابر. وجاء بعده زياد بن أبيه الذي لم يكن أقل سوءاً من سابقه. وتروي الأخبار أن زياداً أطال يوماً الخطبة، وأخّر الصلاة، فنادى عدي: الصلاة! ولما لم يأبه زياد به وبالناس، ثار الحاضرون. فأُرْسل حجر بطلب من معاوية إلى الشام. وفي مرج عذراء، تم قتله مع مرافقيه.

تضايقت عائشة من قتل حجر، لكنها لم تثر لذلك – خاصة وأنها كانت قد تدخلت لمنع هذه الجريمة . وتروي الأخبار أن عائشة بعثت عبد الرحمن بن الحرث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه، فقدم عليه وقد قتلهم… وكانت عائشة تقول: لولا أنّا لم نغيّر شيئاً إلا آلت الأمور إلى أشد مما كنا فيه، لغيّرنا قتل حجر، أما والله إن كان لمسلماً ما علمته، حاجاً معتمراً.

تقول إحدى الروايات، إن معاوية أقبل «ومعه خلق كثير من الشام… حتى أتى عائشة أم المؤمنين، فأذنت له وحده… وعندها مولاها ذكوان؛ فقالت عائشة: أكنتَ تأمن أن أقعد لك رجلاً فأقتلك كما قتلت أخي محمد بن أبي بكر؟ فقال معاوية: ما كنتِ لتفعلي ذلك… لأني في بيت آمن.. [وتكلّمت عائشة]… فلم يخطب معاوية، وخاف أن لا يبلغ ما بلغت… ثم قام معاوية، فلما قام، قالت عائشة: يا معاوية، قتلت حجراً وأصحابه العابدين المجتهدين؟… فقال: دعينا وإياههم حتى نلقى ربّنا… [ثم أكمل]: تالله إن رأيت كاليوم قط خطيباً أبلغ من عائشة بعد رسول الله (ص)».

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال السادس :

لمحات عن العالم في ظل الآيات الثلاث : للشيخ عبد الكريم آل شمس الدين

       

       الآيات التي قلنا إن البشر في تاريخهم إلى قيام الساعة يتحركون ضمن حروفها ، وهذه مقدماتها للتذكير :

1 ـ  ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض … والقذائف والألغام ،  طبعاً  ليسـت  بركات من السماء والأرض .

2 ـ  وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة … فكفرت … فألبسها  الله لباس الجوع والخوف … والقرى والمدن سيَّان .

3 ـ  إن الذين قالوا ربنا الله ثم  استقامـوا تتنـزل عليهـم الملائكة ألاَّ تخافوا ، ولا تحزنوا نحن  أولياؤكـم فـي  الحياة الدنيا … يعنـي إن الذين يقولون ربنا الله ، دون أن يستقيموا ، لا تتنزل عليهم الملائكة ، أي رحمـة الله وعونه وبركاته ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .

     أما الكلام عن القيامة ، وأنها على الأبواب ، فقد عقدنا فصلاً عنها وعن أشراطها المتحركة ، التي يواكب بعضها بعضاً ، والماثلة للعيان ، في كتابنا ” العقل الإسلامي ” (1) فراجع .

* هامش  

(1)  صدرت منه الطبعة الثانية عن دار الأضواء . بعد أن نفذت  الطبعة الأولى . 

       وهذه لمحات سريعة جداً عن العالم ، منذ الإسلام ، بين السلب والإيجاب :

ـ     العهد الميمون لنبوة محمّد (ص) رسول الإسلام ، لإنقاذ البشرية من جاهلياتها وظلامهاالدامس، إلى سعادة القلوب المؤمنة الموحدة ، والعقول المستنيرة بنور الله ،  النـور الذي بنيت به حضارة الإسلام ، حضارة دين رب العالمين .

ـ     عصر ما سمي بعصر الخلفاء الراشدين .

ـ     العصر الأموي ، وبحسبك من سلبياته التاريخية  ،  أنـه   انحـرف  انحـرافاً عـن الإسـلام مروعـاً ، إذ  كان  ” ميكيافيللي ” (1) . ذلك العصر ومؤسسه معاوية بن أبي سفيان ، إبن هند آكلة الأكباد (2) . ثم إبنه يزيد الذي زلزل التاريخ الإسلامي ، بقتله حفيد رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة  الحسين بن علي (ع) مع ثلة من أهله وأصحابه ، في وقعة كربلاء .

       ومن أبرز ما كان في العصر الأموي ، عداء الأمويين وحقدهم على بني عمومتهم الهاشميين . وهم عشيرة رسول الله محمّد (ص) والتنكيل بهم .

* هامش 

(1)         ” ميكيافيللي ” هو أحد رؤساء الوزارة في إيطاليا ، ألَّف كتاب الأمير ، ليكون دليلاً للحاكم ، وكان أبرز ما فيه من مساوىء نظرية ” إن الغاية تبرر الوسيلة ” وقد اعتمدها فيما بعد جميع قادة الغرب .

(2)         حاولت أن تأكل قطعة من كبد حمزة  بن  عبد  المطلب  بعد   إستشهاده فما استطاعت ازدرادها .

 إلا أن بقعة بيضاء في عصر بني أمية ، عبَّرت عن حقيقة الإسلام الحضاري ، نسبياً ، أصدق تعبير .

       فقد عرف الشرق والغرب ، في دراستهما للتاريخ الإسلامـي ، أن عهـد عمـر بن عبـد العزيز ، أحد الخلفاء الأمويين،  قد أعطى انطباعاً عن الحاكم ، وعن اختياره لجهازه البشري ، بنظام الشورى ، وعن عامة الناس  في أيامه ، بأن الإسلام ، وليس غيره ، كنظام إلـهي ، يستطيع أن ينعم بظله أهل الأرض  ، وهم مكفيون آمنون سعداء .

       ونحن هنا نورد رواية أحد المستشرقين ، عن هذا العهد، كمراقب موضوعي يهمه معرفة الحقيقة عن الإسلام ، يقول :

         ورث عمر بن عبد العزيز الخلافة ، وليس في بيـت المال ، درهم ، فقد كنسه من كانوا قبله . ومعلوم أنه أصبح على رأس دولة مترامية الأطراف ، لها جيشها وموظفوها ، ومؤسساتها ، فأسقط في يده ، وبادر يستعين بالولاة في الأمصار، وقد كتب إليهم أن مدُّونا ما استطعتم بالمال . وهنا وقعت مفارقة عجيبة ، أن الولاة أيضاً وقعوا في حيرة ، فإن مصادر المال الذي كانت توفره الجزية من الكتابيين ، وخصوصاً النصارى ، قد انقطعت ، إذ حبَّاً بسمعة الخليفة العتيد عمر بن عبد العزيز أخذ النصارى يدخلون في دين الله الحنيف،  دين التوحيد ، زرافات ، ووحدانا . ” فما العمل يا أميـر المؤمنين ” ؟! …

       وأخذ ذلك الرجل ، الذي أصبح أميراً للمؤمنين ، يفكر في ليل طال عليه ، ثم اتخذ قراره . ونادى على بعض الكتبة .

فكتبوا رسائل إلى الولاة في أقطار العالم الإسلامي آنذاك ، يعظهم فيها بتقوى الله ، وبحسن التوكل عليه  سبحانه  ،  وبعدمالخوف من الحاجة لأن الله وليهم … إلا أن أبرز ما في الرسالة، هذه العبارة :

       ” تقولون أن أهل الكتاب (1) ، يدخلون في دين الله زرافات ووحدانا وبذلك انقطع مصدر كبير من مصادر المال . فاعلموا أنه ، أن يدخل ذمي واحد في دين الإسلام خير مما طلعت عليه الشمس ، وإنما بعث محمّد (ص) هادياً ولم يبعث جابيا ، وإنَّا حسبنا الله الحي القيوم هو المغني وهو الكافي وهو خير الناصرين “.

* هامش 

(1)         نسب خطأ إلى عمر بن عبد العزيز أن برغم إعفائه أهل الكتاب  من الجزية إلا أنه وضع عليهم قيوداً تميزهم عـن المسلميـن .

       ثم بعد ذلك حصل العجب ، فما إن مرت أسابيع حتى تقاطرت الأموال ، فملأت بيت المال . فوطَّد بها حكمه وأرضى الناس .

      ثم كانت المفاجأة الثانية : الخليفة يعلن على الأمصار : ألا من كان بحاجة إلى مال ، فليأتنا ، وله نفقات سفره ، أو فليكتب إلينا نرسل إليه .

       ثم كانت المفاجأة الثالثة : أن قلة قليلة جداً ، هي التي طلبت ، وكان المتوقع أن يفد الناس بكثرة فالمال مطغ ٍ جذاب .

السبب أن الله قد جعل الناس  لتقواهم ، وبركة خليفتهم وولاتهم،في كفاية ومع الكفاية ، ما هو أهم ، التعفف ، وغنـى النفـوس   والحقيقة أن هذه القيود إنما وضعها قبلاً الخليفة الثاني عمر بـن  الخطاب ، فالتبس الأمر على بعض المؤرخين . ولقد دوِّنت بنود هذا الميثاق منسوبة إلى الخليفة الثاني بصيغ مختلفة . انظر ابن عساكـر ج1 ص 178  ومـا بعـدها . و ” المستطرف ” ج1  ص 100 وما بعدها .

بالله ، الذي هو معهم أين ما كانوا ، والذي هو أقرب إليهم من حبل الوريد ، وهو خير الرازقين . فهذا هو الإسلام ، وهذا هو الإيمان الحقيقي بالله رب العالمين .

       وهكذا ، كانت البلاد ، عهده ، مصاديق للآيات الثلاث ، التي نحن بصددها ، وذلك في مضامينها الواعدة . ونذكِّر بأن أول هذه الآيات ،  قوله تعالى :

       { ولو أن أهل القرى آمنو واتقوا لفتحنا عليهم بركات ٍمن السماء والأرض … }

       أما المصاديق الأموية ، للمضامين المتوعِّدة ، في هذه الآيات الكريمات ، فهي أن سلسلة الخلفاء ، قبل عمر  بن عبد العزيز وبعده ، اختاروا خلاف ما اختار ، هو اختار الله ، وتقوى الله ، وحسن التوكل عليه ، والزهد والورع . وهم اختاروا الأبالسة ، والطعن في نحر الدين ، وأولياء الله الصالحين ، واختاروا الكَلَب على الدنيا وتقليد ملوك الدنيا وعبيد الدنيا ، والكذب الذي لطَّـفوا من إسمه وأسموه دهاء ، واختاروا سفك دماء المؤمنين ، وتقديم الفجار ، وتأخير الأخيار . والله تعالى بالمرصاد ، يجمِّع عليهم السقطات ، والجرائم والهفوات…

       ثم كان يومهم الذي لا بد منه ، بموجب قوانين الله جلَّت عظمته :  ولكنه يوم أمطر دماءً غزيرات ، أفجعهم في أقطار الأرض وأفجع أبناءَهم .

       فقد أرسل عليهم ثورة عارمة ، من الذين امتلأوا منهم وجعاً ، وامتلأوا عليهم حقداً . ثار عليهم  بنو أعمامهم ، بنو العباس ، فأغرقوهم في برك من دماء .

       وأذكر حادثة واحدة ، عن مدى الفتك الذي أوقعـه الله بهم . فقد تدخل بعض المعتدلين ممن يستمع إليهم الخليفة الجديد،

أبو العباس ، السفَّاح ، وهذا لقبه الرسمي . مدخلاً في روعه ، أن لم يبق من بني أمية ، إلاَّ بضع مئات ، متخفين عن الأنظار، هاربين في الأمصار ، وقد وطِّد حكمك ، ولا أحد يجرؤ بعد على المسِّ بملكك . وهؤلاء بنوعمومتك ، فعليك بالرَّحِم فهو من الرحمة . 

       فرضي أبو العباس . ودعاهم بعد أن أعلن لهم الأمان ، فخرجوا من مخابئهم ، وأكثرهم كانوا سادة وقادة في بني أمية وفي حكومتهم . وبعد أن استقر بهم المجلس ، وهو في صدر الإيوان . دخل عليهم رجل ، كان منكوباً بهم وبجورهم ،  فنفر من هذا المشهد ، وعزَّ عليه ، أن يعود هؤلاء المجرمون ، إلى جوار السلطان وهم الأحق بالعقاب . فجاش صدره  ، وحمي أنفه غضباً وارتجل بيتين من الشعر أنشدهما للسفَّاح :

 لا يغرَّنْكَ ما ترى من أناس ٍ    إنَّ بينَ الضُلوع ِ دَاءً دَوياً

 فارفع السوطَ واشهرالسيف حتى     لا ترى فوق ظهرها أمويا

      وما كان أسرع استجابة أبي العباس ، فدعا زبانيته ، فأبادوهم في مقتلة واحدة . وهكذا انتهت دولة بني أمية التي دامت حوالي المائة سنة .

     قيل في التاريخ الذي درسناه ، إنه لم ينج من الأمويين،  وهم كانوا ألوفاً مؤلفة ، إلاَّ رجل واحد ، هو عبد الرحمن الداخل ، ولقِّب بالداخل ، لأنه هرب متنكراً ودخل بلاد الأندلس.

حيث أسس فيها مملكة كذلك أموية ، وهي كذلك لم تدم طويلاً .

       وهكذا كانت الدولة الأموية بشقيها  في التاريخ ، مصداقاً للآيات الثلاث ، ونكتفي بذكر الآية الأولى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأََرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .

       فحظُّ فجار الأمويين من الآية قسمها الأخير ، إذ أنهم كذبوا فأخذهم الله بما كانوا يكسبون .

       وقبل أن نودعهم ، نذكر بعض سجاياهم متمثلة بالوليد بن عبد الملك :

       سكر ذات يوم ، وتناول القرآن واستفتح ، كفعل أهل الورع ، فإذا في رأس الصفحة ، قوله تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } . فبدلاً من أن يفزع ويستغفر ، ويُقلع عن خمره تائباً توبة نصوحاً . استشاط غضباً ، وممن ؟! … ونصب القرآن على شجرة في حديقة قصره ، وأخذ يرميه بالسهام ، ويقول  وقد جاشت شاعرية الشيطان فيه :

  تهددنـي  بجبـار  عنيـد   فها أنا ذاك جبـار عنيد ُ

  إذا ما جئت ربك يوم حشر ٍ  فقل يا رب مزَّقني الوليد

       ولنطمئن إلى الجواب على هذا السؤال ؛ لماذا أذن الله تعالى بتلطيخ القرى في أبهة العصر الأموي بالدم ؟! نقول لأن الناس على دين ملوكهم . فقد أخذ المجتمع يفسد بفساد الخلفاء ، فيباع الناس ويشترون بالمال حتى النساء وحتى بعض الصحابة،

فقد اشترى معاوية جعدة بنت الأشعث الكندي بمال ٍ واعداً إياها كذباً ، بأنه إن سممت زوجها الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) زوَّجها من يزيد ، واشترى بمال ٍ الصحابي سمرة بن جندب فحدَّث كاذباً لمصلحة معاوية عن رسول الله (ص) ، واشترى من سمَّم مالك الأشتر النخعي وهو في طريقه ليكون والياً على مصر ، وقال معاوية قولته المشهورة ” إن لله جنوداً من عسل “.

ولا تنتهي جرائم معاوية مؤسس الدولة الأموية . أما الأحرار والعلماء الأصيلين فقد قمعوا قمعاً شديداً .

       وأورث معاوية يزيداً ابنه الخلافة  ، وهو الأشقى في التاريخ الإسلامي ، حيث أنه أول ما دعَّم ملكه بأفظع جريمة كذلك في التاريخ الإسلامي ، وهي مقتل الحسين بن علي (ع) وأصحابه ، في وقعة كربلاء ، وكان يزيد أول من عاقر الخمر وشهد مجالس الطرب وربى الكلاب والقردة في الإسلام .

       ولنطمئن كذلك أكثر ، إلى فاعلية الآيات الثلاث ، نضيف كذلك خبراً عن الوليد إياه ، حيث سهر مع جارية له حتى الفجر  وغدا مخموراً مما شرب ، وأذَّن المؤذن للصلاة ، وكان هو يؤم المصلين ، فقالت له قم وصل ٍ بالناس . فقال لها ، لا ، وخلع عمامته وألبسها إياها وقال قومي أنت صلِّ بهم .

 

ـــــــــــــــــــــــ

المقال السابع : من كتاب الإسلام دين و أمة و ليس ديناً و دولة لجمال البنا

الفصل الخامس

السلطة تفسد الخلافة الراشدة

وتحولها إلى مُلك عضوض

 

——————————————————————————–

تحولت الخلافة الراشدة إلى مُلك عضوض على يدىّ معاوية بن أبى سفيان ..

وكان هذا أبرز دليل على جريمة السلطة، وأنها لابد وأن تفسد أى نظام يعتمد عليها .

فالجديد فى حكم معاوية الذى اختلف عن حكم أبى بكر وعمر أن معاوية اعتمد على هذه الوسيلة الجديدة التى لم تكن موجودة فى الخلافة الراشدة – أى السلطة فى رمزيها السيف.. والمال ..

وكانوا قد اعتبروا أن من التحول السيئ الذى حدث فى الخلافة أن عثمان “جاوز الخيزران إلى السوط” وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران” كما أنه تصرف فى أموال بيت المال فى غير ما خصصت له

فجاء  معاوية فتمادى فى استخدام السلطة فقتل صبراً حُجر بن عدى (له صحبه) وزملاءه وتوسع فى الاصطناع كأن يعطى عمرو بن العاص “مصر طعمة” وأن يعطى سعيد بن عثمان بن عفان خراسان “طعمة” ولجأ إلى الخداع الذميم مثل أن يغرى بعض الأعوان باستخدام السم ويقول “إن لله جنوداً من عسل”

ومع هذا فسنرى أن عهد معاوية رغم تجاوزاته لا يعد شيئاً مذكوراً أمام تجاوزات يزيد ابنه، ثم َمْن خلفه. ثم يطرَّد الأمر فى الخلافة العباسية وما بعدها حتى إنهاء الخلافة سنة 1924 لا يشذ الأمر فيها إلا ما كان من خلافة عمر بن عبد العزيز الذى أطلق عليه أبو جعفر المنصور “أعور بين عميان” والذى اسُتخدم معه السم للقضاء عليه .

وقد حلل بن خلدون ببصيرته الثاقبة هذا التحول، وإن كان قد أبرزه بصورة لا يصدم فيها أفكار الناس. فبعد أن ذكر ذم الإسلام للملك، والعصبية، قال إن الإسلام إنما ذم السيئ فى هذين. على أنه بعد أن قدم هذا التقرير، قدم ما يشبه المهادنة عندما تحدث عن الثروات التى انهالت على العرب نتيجة الفتوح وأن تصرفهم لم يكن قادحا فيهم وإن كان الاستكثار من الدنيا مذموماً” ثم يستطرد ..

“.. ثم اقتضت طبيعة المُلك الانفراد بالمجد واستئثار الواحد به ولم يكن لمعاوية أن يدفع ذلك عن نفسه وقومه فهو أمر طبيعى ساقته العصبية بطبيعتها ” .

ولكن هذه العصبية وإن تحولت إلى مُلك فإنها – فيما رأى ابن خلدون “احتفظت بمعانى الخلافة من تحرى الدين ومذاهبه والجرى على منهاج الحق، ولم يظهر التغير إلا فى الوازع الذى كان دينا، ثم انقلب عصبية وسيفا.

وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك، والصدر الأول من خلفاء بنى العباس إلى الرشيد وبعض ولده

ثم ذهبت معانى الخلافة ولم يبق إلا اسمها وصار الأمر ملكا بحتا وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها، واستعملت فى أغراضها من القهر والتقلب فى الشهوات والملاذ. وهكذا كان الأمر لولد عبد الملك، ولمن جاء بعد الرشيد من بنى العباس

واسم الخلافة باقيا فيهم لبقاء عصبية العرب، والخلافة والمُلك فى الطورين مُلتبسين بعضهما ببعض.

ثم ذهب رسم الخلافة وأثرها بذهاب عصبية العرب وفناء جيلهم وتلاشى أحوالهم، وبقى الأمر ملكا بحتا كما كان الشأن فى ملوك العجم بالمشرق يدينون، بطاعة الخليفة تبركا، والملك بجميع ألقابه ومناحيه لهم ” .

وما نختلف فيه عن ابن خلدون هو أنه أبقى لبنى أمية وصدر من الخلافة العباسية بعضاً من “معانى الخلافة” إذ نحن نرى أن هذه المعانى قد قضى عليها تماماً مع هيمنة معاوية .

وقد عرف معاوية الرسول r واختاره الرسول تقريبا لأبيه – أبو سفيان – كاتبا له، ولكن هذا كان نوعاً من تأليف القلوب.. وكانت هذه الصفة ذات طابع رمزى على أننا نرى فى معاوية فى فترات حلمه وعفوه أثراً من تلك العلاقة بالرسول – حتى وإن كانت وهنانة

ثم نرى السلطة وهى تدفعه لأعمال وسياسات تناقض مناقضة صريحة أصول الحكم الإسلامى. ثم لا يكون لها داع إلا تلويث سمعة خصومه كتلك الفعلة القميئة التى أقدم عليها وهى لعن علىَّ بن أبى طالب على المنابر. فهذا إجراء سلطوى خالص ينضح بأثر السلطة وينم عن شنآن الخصومة

وقد كان من بين الأمويين من يلعن عليا فى اليوم 140 مرة “فقط كما علق على ذلك مؤلف “قراءة فى كتب العقائد” الأستاذ حسن بن فرحان المالكى” وقرأت وأنا أتصفح كتب الحديث رواية “عن أبى زينب” فعجبت فإن الإرهاب الأموى جعل هذا المحدث يلتجئ إلى هذا التعبير لأنه لا يستطيع أن يقول عن على بن أبى طالب ولا يمكن أن يقول عن أبى الحسن لأنه معروف أو الحسين.. فاضطر لأن يقول عن أبى زينب. وليس هناك ما هو أكثر دلالة على جريرة السلطة من أن يصل إرهابها إلى هذا المدى …

على أن السوءة الكبرى لمعاوية، والتى تكشف لنا كيف أن حب السلطة يمكن أن يغلب الحلم، والحكمة، والأسس المتبعة والمتفق عليها.

هى أنه قضى على مبدأ اختيار الخليفة وأخذ بمبدأ الوراثة وكان من سوء حظه، وحتى تبلغ المفارقة أوجها، أن ابنه يزيد الذى رشحه لوراثته كان أبعد الناس عن التمسك بالدين أو الالتزام بآدابه

كما لم تذكر له سابقة تكشف عن موهبة أو مقدرة، وحتى لو استبعدنا ما أحاطته الشائعات عن “يزيد القرود، ويزيد القيان، ويزيد الخمور” فإن المبدأ فى حد ذاته فى منتهى الخطورة،

إذ بهذا الإجراء أصبحت الخلافة – كما قال الجاحظ فى رسالته عن بنى أمية “مُلكا كسرويا وغصبا قيصريا” ..

وهو ما أعلنه سعد بن أبى وقاص وصارح معاوية به عندما دخل عليه فقال “السلام عليك أيها الملك” فضحك معاوية وقال ما كان عليك يا أبا إسحاق رحمك الله لو قلت “يا أمير المؤمنين فقال سعد أتقولها جذلان ضاحكا. والله ما أحب أنى وليتها بما وليتها به” .

والاعتذار الذى قدمه بن خلدون من أن بنى أمية ما كانوا يقبلون أحداً من غيرهم ليلى الخلافة. وأن هذا كان يمكن أن يفتح باب فتنة اعتذار كسيح بادى الركاكة، فضلاً عن أن بيعة يزيد هى التى فتحت الفتن بالفعل. وكانت سببا فيما اقترف من المنكرات التى كان أولها الهجوم على المدينة وقتل الأنصار واستباحة أموالهم وانتهاك نسائهم.

قيل قتل فى موقعة الحرة ألف وسبعمائة من وجوه الناس من قريش ومن الأنصار وعشرة آلاف من عامتهم سوى النساء والصبيان، وقتل من أصحاب الرسول ثمانون ولم يبق بدرى بعد ذلك. ثم أخذ قائد هذا الجيش البيعة على من بقى على أموالهم وأنفسهم على أنهم خَول يزيد يقضى فيهم ما يشاء فأى مهانة يمكن أن تماثل هذه، وكان أهل المدينة أعز الناس حتى كانت موقعة الحرة فهانوا .

ثم كانت الكارثة المدلهمة كارثة كربلاء وقتل الحسين وكل من كان معه من رجال، وكانوا قرابة سبعين، ولم يتركوا رجلاً واحداً بينما حزت رأس الحسين وأرسلت إلى يزيد وقيل إن عمر بن سعد أمر أن تطأ الخيل أجساد القتلى، وإن استبعد بن كثير ذلك.

وعمر هذا هو ابن سعد بن أبى وقاص الذى اعتزل الفتنة أيام عثمان فما أعظم الفرق بين الأب الذى يعتزل الفتن والابن الذى يتولى أشنع فتنة ويقوم بأسوأ فعله. لم تبق كربلاء من نسل الحسين إلا على الصغير والمريض الذى لم يكن قد بلغ الحلم، واحتضنته أخته زينب ودافعت عنه بينما كان عبيد الله بن زياد يقول “دعونى أقتله، فإنه بقية هذا النسل، فأحسم به هذا القرن، وأميت به هذا الداء وأقطع به هذه المادة ” .

إن كربلاء قد أوجدت شقاً فى وحدة الأمة الإسلامية لم يسد حتى الآن. وقد كانت هى التى أوقدت نار الشيعة وأعطتها إرثها التاريخى، ولم تصلح أمية بعدها. فقد تتبع المختار قتلة الحسين واحداً واحداً فقتلهم، وأرسل إبراهيم بن الأشتر إلى ابن زياد فهزمه وقتله ومع أن انتصارات وجبروت عبد المُلك بن مروان مكن لخلافة أمية، فإن ثأر الحسين كان وراء هزيمتها والقضاء عليها .

وجاء دور عبد الله بن الزبير، وكأنما عز على يزيد أن لا ينتهك حرمة مكة بعد أن انتهك حرمة المدينة. وتحصن بها عبد الله فنصب الجيش الأموى المنجنيق الذى أخذ يرمى الكعبة حتى احترقت ولولا أن جاء النذير بموت يزيد وعودة الجيش لكان من المحتمل أن تحدث فى مكة “حرة” أخرى تشبه حرة المدينة .

فهذه الأفعال تنفى عن أصحابها أية إثارة من دين أو إسلام وتثبت أن خمر السلطة قد أذهبت العقول والأحلام وأن الخلافة أصبحت مُلكاً كأسوأ ما يكون المُلك .

              ولقد وضح لنا زياد بن أبيه – رجل معاوية ويزيد – قسمات وطرائق هذا الحكم الجبرى فى خطبته البتراء التى لم تبدأ ببسملة أو بحمدالله – وأنى لها ذلك – وجاء فيها ..

              “حرام علىّ الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدماً وإحراقاً” ..

              “.. وإنى أقسم بالله لآخذن الولى بالمولى والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والمطيع بالعاصى والصحيح منكم بالسقيم حتى يلقى منكم الرجل أخاه فيقول “أنج سعد فقد هلك سعيد” ..

              “… إياى ودلج الليل، فإنى لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه” ..

              وقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة فمن غرَّق قوما غرقناه. ومن أحرق قوما حرقناه. ومن ثقب بيتا ثقبنا عن قلبه ومن نبش قبراً دفناه فيه. فكفوا عنى أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدى ولسانى ولا تظهر من أحد منكم ريبه بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه ..

              أيها الناس

              إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم زاده نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا ونذود عنكم بفىء الله الذى خولنا فلنا عليكم السمع والطاعة الخ …

              وأيم الله إن لى فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاى” .

هذه خطبة يمكن أن تكون “مانيفستو إرهاب” لأى حكم ديكتاتورى ليس فحسب لأنها عددت عقوبات رادعة، ولكن لروحها العامة التى تستهدف إشاعة الإرهاب وإيقاع الخوف فى القلوب وإيثار السلبية والتسليم “اُنج سعد فقد هلك سعيد” وإلزام الناس بيوتهم بالليل الذى عادة ما يكون وقت النشاط العام.. ثم تحذير كل واحد من أن يكون من ضحايا هذا الحكم .

أما مخالفة ما جاء بها من عقوبات لنص القرآن الكريم  وروح التشريع فمما لا نرى أنفسنا فى حاجة لإيضاحه .

ومع أن معاوية بذل جهداً واستخدم الإرهاب والاصطناع والرشوة والسم لكى يمكن لابنه فإن مبدأ الوراثة فشل بعد موت يزيد وأثبت المجتمع الإسلامى أنه لا يمكن أن يقبله لأن العهد كان لا يزال قريباً بالخلافة الراشدة، مما جعل معاوية الثانى ابن يزيد يعتزل ويدع الأمر لبنى أمية .

كان لابد من جبروت عبد الملك بن مروان حتى يمكن غرس تلك النبتة الخبيثة – فى تربة الحكم الإسلامى .

وجاء عبد الملك جبار بنى أمية والرجل الذى قال “من قال لى اتق الله قطعت عنقه” ..

جاء ومعه الحجاج كما جاء يزيد ومعه زياد …

وكما عبر زياد عن حكم ديكتاتورية أمية فى خطبته، فإن الحجاج قدم خطبة لا تقل عن خطبة زياد، وتؤدى المعنى نفسه بأسلوب مختلف.

ويكفى فحسب أن يسمع الناس مستهلها “إنى لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وأنى لصاحبها” ولم يتردد فى أن يطبق هذا للتو واللحظة لأنه كان قد فرق جنده بين المصلين يحملون سيوفهم تحت أرديتهم وجعل لهم إشارة أن يضع عمامته (أى يخلعها) وعندما بدأ المصلون يحتجون على هذا المطلع ويحصبونه وضع عمامته. فأعمل الجنود سيوفهم فى الناس وقطفوا تلك الرؤوس اليانعة …

ظهر عبد الملك بن مروان – جبار بنى أمية والمؤسس الثانى للخلافة الأموية بعد معاوية والذى مات سنة 65 هجرية (685 ميلادية) وهشام ابنه الذى مات سنة 105 (743 ميلادية) الذى يعد المجدد الثالث للدولة..

وحاول عمر بن عبد العزيز آخر محاولات العودة إلى الخلافة الراشدة ولكن هيهات، فأين تذهب تلك الدماء والحروب والصراعات لم يستطع عمر بن عبد العزيز أن يعيد الخلافة الراشدة، وكان لابد من إزاحته، وقد أزيح بالسم بعد عامين من خلافته.

كما كانت تلك أيضاً نهاية يزيد الثالث بن الوليد الذى نادى بالإصلاح، فلم يطل به الحال. لأن جرائم وأوزار حكم بنى أمية كان لابد أن تأتى عليها وكان لابد أن يأتى يوم يؤخذ فيه بثأر الحسين، وبثأر زيد بن على الذى قتله هشام وصلبه ..

وانتهى مُلك بنى أمية عندما قتل مروان الثانى فى مصر.. وظهرت الخلافة العباسية ..

هل كانت الخلافة العباسية أفضل من الخلافة الأموية ؟ على العكس لقد بدأت بخليفة حمل اسم السفاح! أعلن فى أولى خطبه له “أنا السفاح المبيح والثائر المنيح” فأى شئ يرجى من مثل هذا …

إن مأساة بنى العباس أو قل مأساة السلطة، أن انتقامهم لم يقف عند بنى أمية الذين أعلنوا عليهم الحرب، ولكنها شملت بعد الانتهاء من الأمويين الهاشميين – سلالة الإمام على بن أبى طالب، وكان المفروض أن تؤول إليهم الخلافة ولكنها انحرفت من الفرع العلوى إلى الفرع العباسى وفعل العباسيون الأفاعيل ببنى هاشم حتى تمنى بعضهم أن يعود “جور بنى مروان”

وإذا احتجنا إلى دليل على أن هذه الخلافة قامت على أساس استخلاص المُلك العضوض بأى طريقة بل وبكل طريقة فتكفى توصيه إبراهيم الإمام “لأبى مسلم الخراسانى”.. إنك رجل منا أهل البيت احفظ وصيتى انظر هذا الحى من اليمن فأكرمهم واسكن بين أظهرهم فإن الله لا يتم هذا الأمر إلا بهم واتهم ربيعه فى أمرهم وأما مضر فإنهم العدو القريب الدار فاقتل من شككت فيه وأن استطعت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله ” .

وعلق المقريزى فى رسالته النزاع والتخاصم ما بين أميه وهاشم “فأين أعزك الله هذه الوصية من وصايا الخلفاء الراشدين لعمالهم وتالله لو توجه أبو مسلم إلى أرض الحرب ليغزو أهل الشرك بالله لما جاز أن يوصى بهذا فكيف وإنما توجه إلى دار الإسلام وقتال أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم من العرب لينزع من أيديهم ما فتحه آباؤهم من أرض الشرك ليتخذ مال الله دولا وعبيده خولا فعمل أبو مسلم بوصية إبراهيم الإمام حتى غلب على ممالك خراسان وتخطت عساكره إلى العراق فيقال إنه قتل ستمائة ألف إنسان وسار فى الناس بالعسف والجبرية ” .

وكان المؤسس الحقيقى لدولة بنى العباس هو أبو جعفر المنصور وهو لا يقل جبروتا ودموية عن عبد الملك بن مروان وقد جرت فى عهده دماء الطالبين أنهاراً .

وعاشت دولة بنى العباس قرابة خمسة قرون قبل أن يأتى “هولاكو” ليقضى عليها ويخرب بغداد.. وإن كانت قد استطالت فى مصر، ثم انتقلت إلى آل عثمان… وسيطر عليها بدءاً من خلافة المعتصم الأتراك وغيرهم من أجناس الدولة الإسلامية من ديلم أو فرس أو غيرهم من ذوى الرطانات غير العربية، فاستحال عليهم التفاعل مع القرآن الكريم  وصعب عليهم فهم السُنة حتى انتهت الخلافة إلى الزوال النهائى عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك .

  ونحن بالطبع لا نؤرخ للحكم الذى ادعى الإسلام وتقمص بقميصه وهو برئ منه غريب عنه مضاد له..

وإنما نريد هنا – بمنطق الوقائع والأحداث أن نثبت أن السلطة التى كانت هى السبب الأول في خروج  معاوية على علىَّ أفسدت هذا النظام من الحكم الذى حمل اسم الخلافة.

وقد بدء ذلك من عهد معاوية بن أبى سفيان سنة أربعين من الهجرة حتى القضاء عليها فى تركيا عام 1924 وقد ركزنا الحديث على الخلافة الأموية لأنها هى التى تحملت وزر تحويل الخلافة الراشدة إلى مُلك عضوض متحدية بذلك تقاليد الشيخين ومحاولة على بن أبى طالب العودة إلى الخلافة الراشدة، وكان رمزاً للحكم الإسلامى النقى النبيل وكان الصحابة متوافرين.. وذكرى النبوة لم تبعد… ثم سارت الأمور بعدها من سيئ إلى أسوأ …

وطوال هذه المدة – أى قرابة ألف وثلاثمائة سنة لم تكن الخلافة خلافة حقاً ولكن صور متفاوتة من الحكم العضوض بكل سوآته ..

تعليق : فأين تأتى برجال كالصحابة من جديد حتى يتحقق شرط الخلافة الراشدة ، لذا فإن مطلب عودة الخلافة هو مطلب غير منطقى و ضد تطور البشرية و النظم السياسية ، و لو تغاضينا عن هذا و ذاك فهو غير ممكن التحقيق لأنه لن يأتى رجال كالصحابة ، فإنى أجزم أن الخلافة نظام فاشل فاشل

 

 

أضف تعليق